كم من المرّات تنظر إلى قطك الأليف وتمد يدك لتلمسه أو تنظر لطفل يبتسم في السوق فتبتسم لا إراديا؟
وتلقائيا تجدك تقرأ مشاعر الآخرين وتقلّدها في داخلك فتسعر بما يشعرون، وعندما تشاهد فيلما أو دراما تضحك مع الممثل ثم تشعر بحزنه وتتأثر ثم تغضب أو تبكي لفقده. وراء تلك المشاعر التي تشعر بها أبحاث علمية مبنية على المسح الذهني للدماغ أثناء الشعور بتلك المشاعر عند مشاهدة أو التحدث مع شخص يشعر بها. وتسمى تلك الخلايا العصبية المسؤولة عن هذه المشاعر وما ينتج عنها من سلوكيات “الخلايا لاعصبية المقلّدة” أو Mirror Neurons ولا تحتاج أن تفكر كثيرا أو تنتبه لها وهي تمارس اثرها عليك بل بالعكس عندما تفعل تفقدها لان تركيزك يصبح على فهمها بدلا من الانسجام معها. وبالتالي يشعر الآخرون بتفهّمك لهم ويتفاعلوا معك بناء على استجابتك. في التّوجيه (الكوتشنج) من المهم أن تمارس جدارة الحضور وجدارة الإستماع بتفهم، ومن هنا يصبح ضروري أن تترك هذه الخلايا العصبية تمارس مهمتها التي من أجلها خلقت. عادة ما يصدر منك ردة الفعل المناسبة.
بالإضافة لذلك فإن هذه الخلايا مزودة بكوابح تعطي اشارات بالتوقف عند حد معين في التفهم لكي لا تذوب في الشخص الآخر وتتقمص مشاعره بالكامل وتغرق في عالمه بدون أن تستطيع الرجوع لعالمك. وهذه الكوابح تتمثل في خواطر تقطع عليك الاستغراق وتدعوك للتريث وتسمح لمنطقك بأن يعطيك اشارات متزنة حول ما ينبغي فعله وما هو مناسب أو غير مناسب. ولكن المشكلة تنشأ عندما يتم الدوس على هذه الكوابح بالكامل مع كل اشارة شعورية فيفقد الشخص قدرته على التفهم بل تتجمد مشاعره.
جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَما نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ. صحيح البخاري
وهذا الحديث يعطينا نموذج لتلك الحالات التي تقف عندها المشاعر فلا تؤثر في الشخص. فلماذا يحدث ذلك واين ذهبت تلك الخلايا العصبية المقلدة؟
لعل ابسط شرح في علم السلوك الإنساني هو ما اشار إليه الباحث Marco Iacoboni في مقال كتب عنه حول الموضع حيث يشير إلى أن الكثير من الاشخاص يفقد مقدرات هذه الخلايا بسبب التجارب السابقة التي أعطت له اشارات عكسية بانه ليس بأمان عندما يتفاعل بشكل شعوري أو بسبب الثقافة التي يعيش فيها أو بسبب الخوف وغير ذلك. وهذه التشوهات في الأنساق الفكرية هي التي أعالجها في برنامج “وجّه أفكارك ومشاعرك®” حيث نفحص التصورات الذهنية السابقة حول علاقة ما ونحلل كيف وصل الشخص إلى افتراضات معينة منعت من ردود الافعال الطبيعية وأدت إلى تجنبها. ونحن نقوم بذلك مع الشخص نفسه وبموافقته وهو صاحب المقدرة على الدخول في ذاته والتعرف على القيود التي وضعتها عليه تلك التجارب ومنعت من حريته. في النهاية يمر الشخص بمرحلة التحرر من تلك الأنساق المعيقة والمشاعر السلبية المصاحبة لها والسلوكيات المعرقلة والتي تتمثل في هذه الحالة في كبت المشاعر والجمود حولها وتعطل الخلايا العصبية التي تستقبلها وتعيد ارسالها بشكل رسايل ايجابية تنم عن التفهم والتفاعل بذكاء المشاعر.
وفي هذه العملية رفع لمستوى وعي الفرد بذاته وبافكاره ومشاعره مما يسمح له بتوحجيه نفسه مستقبلا ليكون الشخص القادر على منح الآخرينالثقة والأمان وبالتالي قيادة نفسه ومجتمعه نحو الأفضل.
د. غادة عنقاوي