عندما تعود القوارب للمرافئ كل مساء ، صادت صيدا أم لم تصد ، وقد فاحت منها رائحة السردين والحبّارة وتلطّخ وجهها بالماء المالح وقشر السمك أو قطع الجلب المستخدم وقارب وقودها على الانتهاء ، وربما فقدت في رحلتها البروسي أو خلفت ورائها في أحد الشعب المرجانية خيوطا وصنانيرا عالقة ، وعندما تجد يد الصّياد وقد تشرّخت من شد الحبال وجفّ جلده من كثرة معالجة الخيوط والصنانير وبدت على وجهه سمات الإنهاك وقد لاح أمامه المستقبل المجهول.
فإذا بالمياه العذبة تنصب على تلك القوارب مع أذان المغرب وإذا بالصيادين يصفّون لصلاة الجماعة قبل الرحيل إلى المنازل وتقاسم الرزق.. ويلوح في الأفق حمرة الشفق ممتزجة بزرقة المياة وكأنها لوحة رسام.. ولا تزال تسمع صوت سمكة لم تزل حية انقلبت تصارع الموت وتتشبث بالحياة.
عجبا لهذا التكرار.. كيف يتجدد العزم وتشحذ الهمم!
ما الذي يحافظ على الاستمرارية في وسط الشعور بالفشل أو الإحباط أو المنافسة أو التحديات؟؟
دعني أضع بين يديك بعض أسرار الصيادين:
الصياد يتصل بالله فهو يشعر بأنه الرزاق ويقطع الأمل مما سواه فالبحر حالك السواد أو الزرقة والرؤية محجوبة وما هو إلا الإحساس بقرب الفرج من الرزاق فما رأيك أن تنقل هذه المشاعر الروحانية إلى المهن الأخرى التي تسودها الروتينية أو تسودها المخاطرة سيان؟
الصياد يمزح ويقطع الوقت في اللعب فهو يرى الصيد لعبة ومتعة ولا ينظر له على أنه مهنة فيتبادل النكات ويقص على زملائه أو حتى سمكه القصص والحكايات.. ما رأيك أن تلعب وأنت في مكتبك تراجع المعاملات فتمزح مع المراجعين وتقص عليهم قصصا تدخل السرور على يومهم الممل وتطرد عنهم حر الشمس ببرد اللقاء.. يا أخي إنها صدقة..
الصياد لا يهتم بصغائر المشكلات ويتعامل مع كبارها بهدوء ومرونه وأقصى ما في الأمر أنه يضحك على بعض الأخطاء والغلطات.. هل لك أن تقلب الأزمة إلى موقف والمحنة إلى منحة والنقمة إلى نعمة .. كن إيجابيا كالصياد..فاليوم سينتهي ولن يحدث إلا ما هو مكتوب…
وأخيرا …الصياد لا يصطدم بقاربه في الشعب المرجانية أو الفنارات الثابتة بل يسترشد بها على مواطن النجاح والتميز .. فهل تعرفت على مبادئ النجاح الثابتة في حياتك وتعلمت أن تستخدمها لصالحك بدلا من أن تصطدم بها وتحطم نفسك أمامها ..كن ذكيا واكتشفها فهي قابعة في الزاوية ليست ببعيد…